اجتماعي عضو متميز
عدد المساهمات : 172 السٌّمعَة : 2 تاريخ الميلاد : 10/11/1985 تاريخ التسجيل : 22/03/2010 العمر : 39
| موضوع: نشر خشبة فوجد فيها وديعة الله الثلاثاء مارس 30, 2010 6:06 pm | |
| نشر خشبة فوجد فيها وديعة الله الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن التوكل على الله من أعظم العبادات ، وأشرفها ، وأعلاها . والتوكل على الله هو : اعتماد القلب على الله في تحقيق المحبوب ، ودفع المكروه . قال تعالى: { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}. وقال تعالى: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون * وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون}. وقال عز وجل: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم}. وقال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}. والتوكل من العبادات القلبية التي يجب أن تكون خالصة لله ، ولا يجوز للمؤمن أن يتوكل على غير الله لا في قليل ولا في كثير . ومن التوكل بذل الأسباب الموصلة للمرغوب المحبوب ، والمبعدة للمبغوض والمكروه. وفي هذه الحلقة من عجائب بني إسرائيل يحكي لنا النبي –صلى الله عليه وسلم- من الأمثلة العالية التي وقعت لبعض الصالحين من بني إسرائل مما يتعلق بالتوكل. وقد اشتملت هذه القصة التي حكاها لنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على فوائد عظيمة وحكم جليلة سأعرض لبعضها إن شاء الله تعالى في هذا المقال . تنبيه: اشتهر عند بعض الناس أن المسلم لا يجوز أن يقول: توكلت على فلان وأن هذا من الشرك . وهذا حق ؛ فلا يجوز أن يتوكل المسلم على غير الله . ولكن قد زين الشيطان لبعضهم جواز أن يقول القائل: توكلت على الله ثم على فلان . وهذا لا يجوز وهو من الشرك . فإن التوكل من العبادات الخالصة لله تعالى ، والتي لا تقبل الشركة كسائر العبادات. فمن يجوز أن يقال: توكلت على الله ثم عليك ، كمن يجوز أن يقال: عبدت الله ثم عبدتك!! وسبب الاشتباه أن بعضهم قاس ذلك على : ما شاء الله ثم شاء فلان . وهذا قياس فاسد لأن المشيئة ثابتة لله وكذلك ثابتة للعبد أما التوكل فهو حق خالص لله . أما الوكالة فجائزة مشروعة كأن يقول القائل: وكلتك في فعل هذا الأمر وقضاء هذه الحاجة . لأن الوكالية من باب النيابة ، والنيابة جائزة مشروعة . والله أعلم . ###لفظ الحديث### عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (( أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعضَ بني إسرائيل أن يسلفه ألفَ دينار ، فقال: ائتني بالشهداء أُشْهِدُهم . فقال: كفى بالله شهيداً . قال: فأتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلاً . قال: صدقت . فدفعها إليه إلى أجل مسمى ، فخرج في البحر ، فقضى حاجته ، ثم التمس مركباً يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجلَّه ، فلم يجد مركباً ، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ، ثم زجَّجَ موضعها ، ثم أتى بها إلى البحر ، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسَلَّفْتُ فلاناً ألفَ دينار ، فسألني كفيلاً ، فقلت: كفى بالله كفيلاً ، فرضي بك ، وسألني شهيداً ، فقلت: كفى بالله شهيداً ، فرضي بك ، وإني جَهَدتُ أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له ، فلم أقدر ، إني أستودِعُكَها . فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ، ثم انصرف [ينظر> ، وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده . فخرج الرجل الذي أسلفه ينظر لعل مركباً قد جاء بماله ، فإذا بالخشبة التي فيها المال ، فأخذها لأهله حطباً ، فلما نشرها وجد المال والصحيفة ، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار ؛ فقال: والله ما زلت جاهداً في طلب مركب لآتيك بمالك ، فما وجدت مركباً قبل الذي أتيتُ فيه. قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه ! قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة . فانصرِفْ بالألف دينارٍ راشداً. ### تخريجه والحكم عليه ### رواه البخاري في صحيحه في مواطن كثيرة أتمها (2/801رقم2169) . وقد رواه البخاري في سبعة مواضع من صحيحه أتمها الموضع الذي ذكرته . وقد رواه البخاري معلقاً في سبعة مواطن فقال: وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة -رضي الله عنه- به . وقال في موطن واحد : وقال عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة –رضي الله عنه به مختصراً. ووصله في موطن واحد-وفي بعض نسخ البخاري- في كتاب البيوع باب التجارة في البحر(4/299-مع الفتح) : فقال: حدثني عبد الله بن صالح حدثني الليث به . وقد طعن ابن حزم في الحديث وضعفه حيث قال في المحلى(8/119) : [ذكر البخاري هذا الخبر منقطعا غير متصل فإن هذا خبر لا يصح لأنه من طريق عبد الله بن صالح وهو ضعيف جدا.>. وقول ابن حزم باطل لأن عبد الله بن صالح لم ينفرد به بل توبع من الثقات . فقد رواه اللالكائي في كرامات الأولياء(ص/91-92رقم39) من طريق الإمام أحمد في مسنده(2/348) حدثنا يونس بن محمد ثنا الليث به . ورواه البيهقي في السنن الكبرى(6/76) من طريق الإسماعيلي في مستخرجه-[كما في فتح الباري(4/470)>- واللالكائي في كرامات الأولياء(ص/92 رقم40) وأبو نعيم في مستخرجه من طريقين عن عاصم بن علي ثنا الليث به . ورواه الإسماعيلي في مستخرجه – كما في فتح الباري- من طريق آدم بن أبي إياس عن الليث به . ورواه النسائي-كما في الفتح - من طريق داود بن منصور عن الليث به . وقد روي من غير طريق الليث بن سعد : فرواه البخاري في الأدب المفرد(ص/384رقم1128) وابن حبان في صحيحه(14/408-409رقم6487) والبزار في مسنده-كما في تفسير ابن كثير(1/375)- والبيهقي في السنن الكبرى(10/130) وغيرهم من طرق عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنحوه وفي آخره : قال أبو هريرة: فلقد رأيتنا يكثر مراؤنا ولغطنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيننا أيهما آمن. فالحديث صحيح لا مطعن فيه. تنبيه: وقع في رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن مقدار المال الذي استلفه الرجل ستمائة دينار وقد حاول الحافظ ابن حجر الجمع بين الروايتين . ولكن الظاهر -والله أعلم- أن هذه الرواية خطأ من عمر بن أبي سلمة فإنه متكلم فيه ؛ فقد ضعفه جمع من العلماء وقال البخاري –رحمه الله- : صدوق إلا أنه يخالف في بعض حديثه . وقال أبو حاتم: هو عندي صالح صدوق في الأصل ليس بذاك القوي يكتب حديثه ولا يحتج به يخالف في بعض الشيء. ### الفوائد المستنبطة من هذه القصة ### 1/ التحدث عن السابقين بما فيه العبرة ، والعظة ، وزيادة الإيمان . 2/ إسلاف الناس ، ومساعدتهم في ذلك من الأمور المستحبة المحمودة فقد جاء في الرواية الثانية لهذا الحديث : ((كان رجل يسلف الناس في بني إسرائيل)) . وقد جاء الحث على ذلك في شرعنا . وقد قال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- : ((من أقرض مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به)) [وقد روي مرفوعاً ولا يصح وهو موقوف له حكم الرفع>. 3/ جواز الاستدانة والاستقراض . وقد جاء شرعنا موافقاً لذلك ، فالاستدانة مشروعة بدلالة الكتاب والسنة والإجماع بشرطين : حاجة المستدين ونية السداد والوفاء . 4/ مشروعية الإشهاد عند الدَّين والاستدانة . وهذا موافق لشرعنا . قال تعالى في آية الدَّين: {واسشهدوا شهيدين من رجالكم}. وقد اختلف العلماء في وجوب الإشهاد على الدَّين واستحبابه والراجح الاستحباب . 5/ مشروعية طلب كفيل غارم . وقد اختلف العلماء في ذلك والراجح الجواز . 6/ جواز الشروط في البيع . وقد جاء شرعنا موافقاً لذلك . فالشروط في البيع جائزة إلا شرطاً خالف الكتاب والسنة . والأدلة على ذلك كثيرة جداً . 7/ صلاح الرجلين وتقواهما ومعرفتهما بالله ، فالأول حيث جعل الله شهيداً على دَينه ، وكفيلاً بتيسير موعد وفائه ، وهذا من صدق إيمانه وتوكله . وأما الثاني فقبوله بذلك ، وتصديقه للرجل ، وهذا لا يصدر إلا من ذي اليقين والتوكل الصادق. 8/ إحسان الظن بالمسلم ، فقد قبل الرجل المسلِف ظاهر الرجل المستلف ، ووثق به لأنه أحسن الظن به. وهذا موافق لشرعنا . فالواجب على المسلم إحسان الظن بالآخرين . 9/ جواز التجارة في البحر . 10/ الوفاء بالوعد ، والحرص على ذلك بشتى الوسائل المشروعة . 11/ بذل الأسباب لتحقيق المراد الشرعي . فهذا الرجل المستلِف قد بذل ما في وسعه للوفاء بموعده ، فكان يلتمس المراكب ويبحث عن مركب يوصله فلم يجد ، فوفقه الله لهذه الفكرة التي لا يقدم عليها إلا من زاد إيمانه وصح توكله . فمن من الناس يرمي ماله في خشبة في البحر ؟! فهذا الرجل لما لم يجد الوسيلة المناسبة فكر في الخشبة والتي لها ميزة الطفو على الماء ، فنقرها ووضع فيها المال . ولم يكتف بذلك بل كتب معها صحيفة فيها اسمه واسم صاحب المال ، بحيث إذا أخذها غير صاحبها عرف صاحبها فيوصلها إليه وإلا طولب بها من يأخذها يوم القيامة . ولم يكتف بذلك بل زجج موضعها أي أغلق مكان النقرة حفاظاً على المال والصحيفة . ثم التجأ إلى الله الذي لا يخيب من دعاه ورجاه ، والذي يستحي من عبده إذا رفع يديه بالدعاء أن يردهما صفراً ، فدعا الله واستودعه الخشبة بما فيها من المال والصحيفة . ولم يكتف بذلك بل جعل يبحث عن مركب يسافر فيه إلى بلد من أسلفه ليوصل له المال إذا كان ذلك المال لم يصل إليه . ولم يكتف بذلك بل لما وصل إلى البلد الذي فيه صاحب المال ذهب إليه بالمال وكأنه لم يرسل خشبة ولم يرد من صاحبه أن يعلم بما صنع لأنه فعل ذلك بينه وبين الله . فهذا كله من صدق الرجل في توكله واعتماده على الله . 12/ إكرام الله للرجلين بأن أوصل الخشبة إلى صاحب المال . 13/ عدم الاعتماد على الكرامة في استيفاء الحقوق . فالرجل المستلف مع ما صنع في الخشبة وإرساله لها محملة بألف دينار مع ذلك حمل ألف دينار أخرى لصاحب المال لاحتمال عدم وصول المال إليه . 14/ مشروعية التجارة والتكسب بها ، وأنها من عمل الصالحين ، وهذا متفق عليه في جميع الشرائع السماوية . 15/ جواز لقطة البحر مما قل ثمنه كالخشبة ونحوها ، وجواز الاستفادة منها . 16/ استدل البخاري بهذا الحديث على أن ما يوجد في البحر من المال وإن كثر فليس بركاز فليس فيه زكاة ولا خمس . وقد اختلف العلماء فيما يستخرج من البحر من اللؤلؤ ونحوه هل فيه زكاة أم هو ركاز والأرجح أنه لا زكاة فيه ولا خمس . والله أعلم . 17/ جواز الحلف من غير استحلاف لقول الرجل: ((والله ما زلت جاهداً في طلب مركب…)) . 18/ جواز التعريض في الجواب . فقد سأل صاحب المال الرجل الآخر: هل كنت بعثت إلي بشيء ؟ فلم يجبه بالنفي ولا بالإثبات بل عرض في الجواب ، وأعاد كلامه السابق حيث قال: أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه . 19/ الدعاء بالرشد للأخ المسلم . لقول صاحب المال: فانصرف بالألف دينار راشداً. 20/ جواز رفع الصوت بين يدي العالم إذا لم يكن فيه إخلال بالأدب وهيبة المجلس وهذا مأخوذ من الرواية الأخرى للحديث وفيه: قال أبو هريرة: فلقد رأيتنا يكثر مراؤنا ولغطنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيننا أيهما آمن. وفوائد هذا الحديث كثيرة أكتفي بما ذكرته والله أعلم . وختاماً أنقل ما ذكره الحافظ ابن حجر من فوائد الحديث . قال الحافظ في الفتح(4/472) : [وفي الحديث جواز الأجل في القرض ، ووجوب الوفاء به ، وقيل: لا يجب بل هو من باب المعروف ، وفيه التحدث عما كان في بني إسرائيل وغيرهم من العجائ .ب للاتعاظ والائتساء ، وفيه التجارة في البحر ، وجواز ركوبه ، وفيه بداءه الكاتب بنفسه ، وفيه طلب الشهود في الدين ، وطلب الكفيل به ، وفيه فضل التوكل على الله ، وأن من صح توكله تكفل الله بنصره وعونه ، وسيأتي حكم أخذ ما [لفظه> البحر في كتاب اللقطة إن شاء الله تعالى ، ووجه الدلالة منه على الكفالة تحدث النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك ، وتقريره له ، وإنما ذكر ذلك ليتأسى به فيه ، وإلا لم يكن لذكره فائدة>. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. كتبه: أبو عمر العتيبي | |
|